منذ بداية الأزمة كان الصوت مرتفعا ..انتبهوا للمستهلك ..نريد عودة الدولة بقوة عبر وزارة التموين التي تركت بصمتها في الثمانينات ..نريد الغاء تحرير الأسعار وعودتها كما كانت سابقا تسعرها الدولة اداريا .. وقلنا في الاعلام وبكلام أكثر واقعية : نريد وزارة لحماية المستهلك طالما أدوات التموين السابق لم يعد لها مكاناً في عالم اليوم ..فماذا كانت النتيجة؟

قبل الاجابة على السؤال ..نعود سريعا للتذكير بقصة الوزارة التي تمثل الأم الحنون للمواطن لاسيما في الأزمات.. الوزارة كان اسمها أيام الوحدة مع مصر عام 1960 وزارة التموين اعتمادا على التجربة المصرية وعام 1969 تم تعديل تسميتها لتكون أقرب للواقع وصارت وزارة التموين والتجارة الداخلية حيث الدولة المركزية تمتلك كل الأدوات القوية وتحتكر التجارة الخارجية والداخلية وكان الدور الأبوي مشهودا فيه كتجربة متميزة آنذاك ..

ومع الحديث عن اقتصاد السوق والانفتاح الاقتصادي وتحرير الأسعار تم دمج وزارتي الاقتصاد والتجارة الخارجية والتموين والتجارة الداخلية عام 2003 لتصبح وزارة واحدة باسم وزارة الاقتصاد والتجارة..لندخل في مرحلة اقتصادية قاسية للانتقال لاقتصاد جديد وخلالها تتحمل الحلقة الأضعف الثمن لهذا التحول وخلال فترة زمنية تطول أو تقصر تبعا للتحول والقدرة على خلق حالة من التنافس ومنع الاحتكار يجعل الأسواق تتوازن ويصبح المستهلك سيد الأسواق كما يحلم المنظرون وبعض الواقعيون…

بطبيعة الحال ..تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فالمرحلة الانتقالية للاقتصاد السوري أشعلتها الأزمة لأمد غير محدود ..والرغبة الشعبية تسارعت نحو دور قوي للحكومة في ظل اقتصاد الحرب لتلبي احتياجات الناس الأساسية وتقف بقوة وحسم في وجه الغلاء وجشع تجار الأزمات فتم عام 2012 إحداث أول وزارة لحماية المستهلك باسم (وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك) بعد فصلها عن وزارة الاقتصاد والتجارة وهي مستمرة حتى الآن ..

لكن، ماذا عن النتيجة على الأرض، لاشيء تغير أبداً، وحتى بعد صدور القانون الجديد رقم 14 لعام 2015 لم نشاهد وزارة قوية في ظل حكومة الحرب تعلن عن عقوبات رادعة لتجار الأزمات والفاسدين وتشهر بهم في وسائل الاعلام بشكل يومي ليكونوا عبرة لغيرهم، ولم نشاهد بالمقابل مؤسسات التدخل الايجابي وهي تقدم البدائل، والذي زاد سوءا أن الأسعار تضاعفت عشرات المرات بحجة ارتفاع سعر الصرف وعدم استقراره..!!

ويبقى السؤال: كيف نحمي المستهلك وما هي الآليات والأدوات التي يمكن تطبيقها على الأرض ليلمسها الجميع دون أن نبقى نسمع سين التسويف والانتظار، والتصريحات الرنانة والمكررة، وهنا علينا ألا ننسى أن حاجات المواطنين الأساسية لا تتعلق بسلة سلع غذائية بل تشمل مختلف السلع والخدمات وبالتالي يكمن الحل في منظومة واحدة توحد كل الجهات المعنية بحاجات المواطنين وتتابعها بشكل لحظي مباشر ومستقر ودائم طالما المواطن هو البوصلة لكل أعمال الجهات الحكومية والخاصة والأهلية.

بالطبع، هذا ممكن ولن نعيد اختراع العجلة من جديد خصوصاً ولدينا أحدث تقنيات العصر وخبرات وطنية وكوادر، والمهم هو القرار والإرادة ليكون صوت المواطن مسموعا دون حلقات وساطة أو متاهات بيروقراطية.

الفكرة بسيطة للغاية وتتمثل بإحداث هيئة وطنية لحماية المستهلك لها فروع في المحافظات ولها صلاحيات واسعة ..ولو عدنا قليلا للوراء لوجدنا أن إحداث هيئة وطنية لحماية المستهلك ليست فكرة جديدة وتزامنت مع اصدار قانون حماية المستهلك رقم 2 لعام 2008 وذلك لمنع تشتت الجهات الرقابية المعنية بالمستهلك وعددها 18 جهة ،ثم توقف الاقتراح رغم الزخم الذي رافقه من خلال تشريعات متطورة كحماية المنافسة ومنع الاحتكار وسلامة الغذاء والدواء والجودة .‏

ولا نستطيع هنا أن نعدد كل حقوق المستهلك التي لم تعد تقتصر على توفير السلع والخدمات الضرورية له وسلامة مواصفاتها ونزاهة المعاملات التجارية بل تشمل كل اوجه الحياة من خدمات مصرفية وتأمين وصحة وتعليم ونقل واتصالات وسكن وبيئة وغيرها.

فما أحوجنا إذن لإحداث هيئة لحماية المستهلك تشمل تلك الجوانب وترتقي بعملها إلى المستوى المطلوب، والأهم أنها تشكل مرجعية واحدة وتجعل حماية المستهلك أمراً ممكناً في هذه الظروف المعقدة والمتشابكة ومن بينها حق المعرفة لإضفاء الشفافية على الأسواق بحيث يكون التسعير ملزما لكل السلع والخدمات ‏بدءا من قلم الرصاص والخضار واللحوم مرورا بسعر الكمبيوترات و السيارات وصولا لبدل خدمات المشافي والجامعات والمدارس والمطاعم والمقاهي ووسائط النقل والاتصالات وغيرها ..




إقرأ أيضا أخبار ذات صلة