اضطر عددٌ من أكبر شركات العالم إلى العمل على إدارة الأزمات لإنقاذ سمعتها التي تزعزعت بسبب الفضائح والإشاعات العام الماضي. ورغم عدم استعادة الكثير من هذه الشركات ثقة المساهمين حتى الآن، إلا إن بعضها قطع شوطًا كبيرًا، مدفوعًا بالالتزام نحو المسؤولية المؤسسية. 
 
يقول ستيفان هان غريفيث، رئيس إدارة السمعة لدى شركة (Reputation Institute) لخدمات قياس السمعة وإدارتها: شهدنا في عام 2018 هبوطًا في الثقة، مما دفع الشركات إلى التحلي بالمزيد من الشفافية والالتزام بالمعايير الأخلاقية العالية. ومنذ عام 2011، أطلقت شركة (Reputation Institute) تقرير (CR RepTrak) السنوي للشركات التي تتمتع بأفضل سمعة من حيث المسؤولية المؤسسية في العالم. وكشفت تصنيفات العام الجاري زيادةً بنسبة 1.6 نقطة، بعد أن حققت متوسط انخفاض بلغ 1.4 نقطة العام الماضي.
 
يقول هان غريفيث متابعًا: لا يتعلق الأمر بالضرورة بقيام الشركات بتغييراتٍ جذرية، لكنها بدأت في تقديم الأسباب التي تشير إلى أن لديها نوايا حسنة بطريقة أفضل. قررت الشركات اختيار التركيز على الأمر المهم بدلًا من محاولة معالجة الأشياء جميعها، وهذا هو ما أدى إلى زيادة نقاط المسؤولية المؤسسية.
 
في عالم اليوم، تُعد المسؤولية المؤسسية أمرًا أساسيًا لنجاح الشركات من حيث الأداء المالي، كما أن المؤسسات التي تبنت نهجًا أكثر مراعاةٍ للمسؤولية المؤسسية استطاعت كسب ود وثقة الرأي العام.
 
يقول هان غريفيثت: هذه هي الفرصة الاستراتيجية المتاحة أمام الشركات اليوم، عبر التوضيح للعالم ما الذي تفعله المؤسسة لتترك أثرًا إيجابيًا في المجتمع بطريقة مميزة، من أجل إحداث فارق كبير.
 
لم تقم أي شركة أخرى بإظهار مدى التزامها بالمسؤولية المؤسسية مثل شركة (Lego)، الشركة الدنماركية المُصنعة للألعاب، حيث تقدمت نقطتين لتصل إلى قمة التصنيفات في المركز الأول بقائمة العام بفضل جهودها المبذولة لتحقيق الاستدامة البيئية، وهو ما يتضح أيضًا في مكعبات البناء الملونة التي اشتهرت بها الشركة.   
 
في العام الماضي، بدأت شركة (Lego) في إنتاج القطع المصنوعة من مادة متعدد الإيثيلين النباتية، ضمن أولى خطواتها نحو تحقيق مهمتها في جعل مكعبات البناء جميعها مستدامة بحلول عام 2030. وحققت الشركة نسبة 7% من هدفها لإعادة تدوير 100% من نفايات التصنيع بحلول عام 2025. كما أنها استطاعت تجاوز النسبة المخططة في الوقت الحالي لإنتاج أكبر كم ممكن من الطاقة المتجددة بقدر ما تستهلكه عملياتها، وذلك عبر الاستثمار في مزارع الرياح في ألمانيا والمملكة المتحدة. يقول هان غريفيث: رفعت شركة (Lego) المعيار عبر التزامها بعالم الغد. وأعطت الأولوية للمسؤولية المؤسسية في الشركة، وأدمجتها في كل ما تفعله.
 
ومن ضمن الشركات الأخرى التي أعطت الأولوية للاستدامة، شركة (Danone)، عملاق منتجات الأغذية ذات الـ 100 عام، ورغم أنها تقع في فرنسا، إلا أن مدى تأثير مبادرتها كوكب واحد، صحة واحدة التي تسعى لتحسين صحة العالم والأفراد، أصبح ملحوظًا في كل مكان بقدر انتشار منتجات الزبادي التي اشتهرت بها. في الأرجنتين - على سبيل المثال - تعاونت شركة (Danone) مع المؤسسات غير الربحية ومسؤولي الحكومات المحلية لبناء أول مركزٍ للطفولة المبكرة في مدينة سالتا، حيث يوجد أخصائيو التغذية وأطباء الأطفال لتوجيه الآباء والأمهات خلال فترة الألف يوم الأولى من حياة أطفالهم.
 
وفي نيوزيلندا، اتخذت الشركة أولى خطواتها نحو تحقيق هدفها المتمثل في تحييد الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050، عبر الاستثمار بمبلغ 20 مليون دولار في المصنع الذي يحوِّل الحليب الخام إلى حليبٍ للأطفال من أجل تخفيض انبعاثات المصنع الكربونية بواقع 20 ألف طن سنويًا. كما أن شركة (Danone) في الولايات المتحدة، التي تحمل اسم (Danone North America)، حصلت على شهادة (مؤسسة بي - B Corp) وهي شهادة تُمنح للشركات الربحية التي تلبي معايير الاستدامة البيئية، ومعايير الأداء البيئي، والوفاء بمعايير المساءلة، والشفافية، ومع عمل المؤسسة لضمان حصول الهيئات جميعها على المزايا نفسها بحلول عام 2030، من المحتمل استمرار تقدم الشركة المُصنفة في المركز الـ 19 في تصنيفات السمعة. يقول هان غريفيث: شركة (Danone) هي شركة ترمز لحركة بأكملها. فهي ليست مؤسسة حاصلة على اعتماد (B Corp) فقط، بل إنها تبنَّت أهداف الممارسات البيئية والمسؤولية الاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) التي وضعتها الأمم المتحدة.
 
والأهداف التي يشير إليها هان غريفيث هي أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، التي تضم 17 هدفًا اقتصاديًا وبيئيًا واجتماعيًا، يسعى الموقعون عليها إلى تحقيقها بحلول عام 2030. وبعد أن واءمت شركة (Danone) أهدافها مع أغراض الأمم المتحدة، قامت شركة (ExxonMobil) بالمثل، وهو الأمر الذي أحدث فارقًا كبيرًا لدى عامة الناس.
 
ورغم أن عملاق النفط والغاز الأمريكية لم تصل بعد إلى تصنيفات أول 100 شركة، إلا أنها أظهرت التزامًا كافيًا بأهداف الأمم المتحدة للحصول على لقب أكثر الشركات تحسنًا، وزادت سمعتها للمسؤولية المؤسسية بواقع 5 نقاط مقارنة بالعام الماضي. ومع استثمارها مؤخرًا مبلغ 100 مليون دولار في عمليات الأبحاث والتطوير للحد من الانبعاثات بالتعاون مع المختبر الوطني للطاقة المتجددة والمختبر الوطني لتكنولوجيا الطاقة التابعان لوزارة الطاقة الأمريكية – من ضمن استثمارات الشركة في التكنولوجيا الفعالة من حيث الطاقة المقدرة بـ 16.5 مليار دولار منذ عام 2000– من المحتمل تساهم شركة (ExxonMobil) هي الأخرى في دحض الرأي السائد بأن شركات الطاقة من ضمن الشركات سيئة السمعة.
 
ويقول هان غريفيث: يرجع السبب الأكبر وراء رؤيتنا تغيرًا كبيرًا في شركات الطاقة هو إدراك هذه الشركات أن القصة الحقيقية لا تدور حول النفط، بل حول مصادر الطاقة الأخرى، والدور الذي تؤديه للمحافظة على الكوكب. المسؤولية المؤسسية لم تعد خيارًا بعد اليوم، فهي أمر بالغ الأهمية لأي شركة، لاسيما الشركات التي تسعى لتحسين سمعتها.
 
ورغم كون العام الجاري عامًا أفضل لمجتمع الشركات العالمية مقارنة بعام 2018، مع تحسن سمعة الكثير منها، إلا أن أغلب المؤسسات لا يزال أمامها طرقًا طويلة للوصول إلى الأهداف الموضوعة. إن هذه الشركات التي تأمل في تحقيق أي تغيير لا يمكنها ترك عبء المسؤولية المؤسسية للمديرين التنفيذيين والإدارات العليا فقط. فكما قال هان غريفيث: الواقع يشير إلى أن كل موظف يعمل في الشركة لديه دور يؤديه في تحقيق المسؤولية المؤسسية، وقد تضطر الشركة إلى مواجهة المخاطر في حال عدم تحقيق ذلك، فالالتزام بالمسؤولية المؤسسية من شأنه تحديد إرث الشركة بأكملها.
المصدر: فوربس الشرق الأوسط
03/10/2019
عدد المشاهدات: 80
اسعار صرف العملات
www.syria-ex.com




إقرأ أيضا أخبار ذات صلة