يواصل سعر صرف الدولار الأمريكي تراجعه القياسي مقابل الليرة السورية، و التي وصل لنحو 50 بالمئة مقارنة عما كان عليه سعر الليرة السورية قبل نحو الشهرين، لكن أسعار السلع الرئيسية والأساسية لا تتغير وكأن شيئاً لم يحصل.

السوريين الذي أصبحوا من اليوميين (لسعر الأخضر) وجّهوا نظرهم إلى أسعار السلع مباشرة: السكر، الرز، البيض، الفروج وغيرها... وإذ بها لا تتغير! لا بل إنّ بعضها استمر في ارتفاعاته، والجميع يتهامس ويقول الانخفاض مؤقت.

الأسعار بالفعل أصبحت ترتبط بدولار السوق وكلما ارتفع ارتفعت معه، ولكن إذا ما انخفض فإن السوق لن تسارع إلى التخفيض لأنها تعلم علم اليقين أن الانخفاض مؤقت طالما إن الإنتاج يتدهور والليرة تضعف ولا يُسعفها أحد.

إن الأسعار ترتبط بالدولار لسببين، الأول والمباشر يكمن في أن المواد في السوق بمعظمها مستوردة أو تدخل المستوردات في تركيبة تكاليفها. والثاني وهو الأكثر تأثيراً لأن العملة بضاعة يتاجر بها (تجار العملة) والمضاربين بغرض الربح، وهو ما يحتاج لقليل من الشرح.

في السبب الأول يكفي أن نقول إن كل منتج حقيقي في سورية يعمل في الزراعة والصناعة والبناء وخدمات النقل والتخزين، عليه أن يحوّل جزءاً من دخله إلى دولار حُكماً ليغطي التكاليف المستوردة.

والنسبة الوسطية في عام 2018 كانت 36%، أي من كل 100 ليرة دخل إنتاج حقيقي يجب أن يتم تحويل 36 ليرة إلى دولار! وهي نسبة مرتفعة وتؤدي إلى طلب كبير على الدولار، وتوصّف هذه الحالة بأن الاقتصاد ذو نزعة تجارية عالية ومرتبط بالخارج إلى حد بعيد. ودواء هذه العلّة هو إنتاج مستلزمات الإنتاج محلياً، وتقليص المستوردات منها إلى حدّ بعيد... وهو أمر يحتاج إلى موارد وإلى دور لجهاز الدولة وكلاهما مغيّب!

الجانب الثاني لارتباط الأسعار بالدولار هو المضاربة، فالمضاربة عملياً هي التي تجعل المنتجين مضطرين إلى تغيير تسعيرة منتجاتهم بمجملها مع تغيرات الدولار وليس فقط الـ 36% المستوردة فكيف هذا؟!

هنالك قوى هي المُتاجرة بالعملة في سورية وهي رأس الفساد وهو ما تعمل عليه الحكومة لبتره بشكل نهائي ، حيث تدور السيولة في السوق وتصل أكبر كمية منها إلى هؤلاء، الذين يسارعون لبيع الليرة ومحاولة التخلص منها وتحصيل سلع مطلوبة أكثر: مثل العملات الأجنبية بالدرجة الأولى نظراً لأنها تخرج إلى أرصدة هؤلاء بالخارج بشكل دوري، إضافة إلى الذهب والعقارات وغيرها.

إنّ هؤلاء بملكيتهم للموارد ومتاجرتهم بالعملة يحجبون الأموال عن الاستثمار في الإنتاج الحقيقي، وليس هذا فقط... بل يزيدون من الطلب على الدولار ويبيعون الليرة بشكل مستمر، وهُم بهذا مساهم هام في تقليص قيمة العملة الوطنية!

وبالعودة للمنتجين فإن هؤلاء ليحموا دخلهم وإنتاجهم فإنّهم يسعّرون كل بضاعتهم المستوردة وغير المستوردة وفق تغيرات الدولار لأنهم لا يضمنون ثبات قيمة الليرة التي يتلاعب بها الكبار الطفيليين تجار العملة، ويسعّر المنتجون بنسبة 100% من ناتجهم بالدولار خوفاً من خسارة الليرة لقيمتها نتيجة المضاربة المستمرة عليها.

وهنا تحدث سلسلة مستمرة من التدهور، فالمنتجون يحمّلون هذه التكلفة على المستهلكين، وهؤلاء بدورهم يقلّصون استهلاكهم... وعوضاً عن فروج شهرياً يصبح استهلاك الأسرة نصف فروج! حيث الغالبية العظمى منهم من أصحاب الأجر الثابت بالليرة.

وتقليص الاستهلاك بدوره يدفع إلى تراجع الإنتاج وخسارة المنتجين، وهنا حتى الكبار يخسرون لأنهم يفقدون مصدر نهبهم وهو الدخل الحقيقي المتشكل في العمليات الإنتاجية، ولكنهم الأقل خسارة لأنهم الحلقة الأقوى ويملكون تجارات سوداء رابحة جداً.

إن التسعير بالدولار لم يعد يقتصر على تدمير قدرة السوريين على استهلاك الأساسيات ويسلب منهم حاجات الغذاء الضرورية، بل إنّه يدمّر ما تبقى من المنظومة الإنتاجية... والسبب الأساسي وجود الموارد والأموال لدى الكبار الذين يفرضون الاستيراد ويحتكرونه ويمنعون البدائل الإنتاجية، ويضاربون على العملة الوطنية بلهاثهم وراء الدولار.

إن إزاحة الدولار، هي إزاحة هؤلاء الطفيليين الكبار، وهو السبيل الوحيد الحقيقي لمواجهة العقوبات... طريق صعب لا يمكن أن يتم إلا عبر عموم السوريين من أصحاب الأجر والمنتجين عندما يستطيعون أن يستولوا على القرار ويستعيدوا السيادة على مقدرات البلاد.

04/08/2020
عدد المشاهدات: 7512
سوريا إكسبو , Syria Expo
www.syria-ex.com




إقرأ أيضا أخبار ذات صلة