ما زالت المصارف العامة في سورية حتى الآن تدور في فلك الوعود الحكومية المتعلقة بإعادة هيكلتها، تلك الوعود التي أطلقتها الحكومات السورية منذ نهاية الثمانينات، والتي ما تزال تطلقها حتى اليوم ولكن من دون أن تتخذ أي خطوة عملية على أرض الواقع من أجل تنفيذها.
 
ونتيجة لذلك فقد تراكمت مشكلات المصارف العامة، وتعقدت أكثر ومن النواحي كلها، الإدارية والمالية والتشريعية والتكنولوجية، ورغم أن الحكومات المتعاقبة قد بدأت بترميم الواقع المصرفي العام منذ سنوات، إلا أن ذلك الترميم بقي مجرد عمليات منفصلة تخص كل مصرف لوحده، من دون ربطه بالمنظومة المصرفية ككل بشكل عام، أي أن الجهاز المصرفي العام لم يشهد حركة إصلاحية شاملة تخصه بالكامل، ولم تتخذ بشأنه قرارات على مستوى القطاع تُعنى بإصلاحه وتطويره.
 
وبالإضافة إلى موجات التصريحات الحكومية في ذلك الاتجاه، فقد صبت الكثير من الدراسات الاقتصادية آراءها حول تلك النقطة ذاتها، وذلك منذ ثلاثين عاماً تقريباً وبشكل مستقل عن رأي الحكومة، فالكثير من الاقتصاديين رأوا أنه من الأفضل إعادة هيكلية المصارف العامة لرفع كفاءتها وزيادة فعاليتها وتوحيد أنشطتها بدلاً من بقاءها على هذا الشكل من التشتت، وقد طالبت الكثير من الدراسات الاقتصادية المستقلة أيضاً وفي الكثير من المنابر الاقتصادية الرسمية وغير الرسمية، بضرورة إعادة النظر في بنية القطاع المصرفي والتعامل معه كقطاع شامل وليس كمصارف مستقلة، ومنحه مزيداً من المرونة والتطوير كي يكون رافعة مالية ونقدية للاقتصاد كله.
 
وكان التساؤل الذي يطرح دائماً من قبل المختصين والدراسين والمهتمين بالشأن المصرفي هو: ما هو مبرر وجود أنواع متعددة من المصارف الحكومية كالتجاري والعقاري والصناعي والزراعي والتسليف والتوفير رغم إمكانية دمجها في مصرفين أو ثلاثة مثلاً، يوجهان نشاطهما في اتجاهين فقط، نشاط للتمويل التجاري والصناعي فقط يمارسه المصرف التجاري بعد دمج المصرف الصناعي معه، ويقدم تمويلاً لفئة التجار والصناعيين كلهم، والآخر للتمويل الشخصي ناتج عن دمج مصارف التسليف والتوفير والعقاري معاً، يقدم أنواع التمويل الباقية للأفراد كافة، وبغض النظر عن طبيعة ذلك التمويل، كالتمويل لأغراض السكن أو التمويل لأغراض شخصية مختلفة، كشراء السيارات، والقروض الشخصية أو القروض الدراسية، فالمصرف الأول متخصص في العمليات المصرفية على المستوى الكلي وعلى مستوى المؤسسات، فيما يتخصص المصرف الثاني على المستوى الفردي والشعبي العام فقط، كما أنه من الممكن الإبقاء على المصرف الزراعي كمصرف مستقل لخصوصية النشاط الزراعي.
 
والأكثر من ذلك، أنه ومنذ عام 2002 ومع بدء عمل المصارف الخاصة في الاقتصاد السوري، أي مع تحرير القطاع المصرفي الذي بدأ بالقانون رقم (28) لعام 2001 وصدور مرسوم مكافحة غسيل الأموال رقم (33) لعام 2005، ومرسوم السرية المصرفية رقم (34) لعام 2005،  فقد توقع الكثيرون أن تتحرك الحكومات المتعاقبة، وتكون أكثر مرونة تجاه المصارف العامة، وتعيد هيكلتها بأسرع وقت ممكن كي تنافس بشكل أفضل في سوق مصرفية باتت مفتوحة، فحالة احتكار السوق المصرفي قد انتهت تماماً والمنافسة باتت تحكم أداء المصارف كلها، والمصارف الخاصة بدأت تستقطب الودائع، وتمنح القروض، وتستحوذ على نسبة جيدة من السوق المصرفية، إلا أن تلك التحولات كلها لم تدفع الحكومات السورية المتعاقبة على الاستجابة للظروف الجديدة
 
يبدو أن فكرة إعادة هيكلة المصارف العامة ما زالت مجرد فكرة فقط في رأس الحكومة، ويبدو أن إعادة تجميع أنشطة تلك المصارف وتقليص عددها ما زال بعيداً تماماً عن رؤيتها، وربما كانت تصريحات إعادة الهيكلة والإصلاح مجرد موجات أو هبات حكومية، كما هي موجات التصريحات الكثيرة التي تطال الكثير من القطاعات الأخرى بين حين وحين، صحوة من صحوات التصريحات من دون وجود فعل على اتخاذ قرار حاسم ونهائي.
 
المصدر: صحيفة الأيام
11/11/2018
عدد المشاهدات: 3840
اسعار صرف العملات
www.syria-ex.com




إقرأ أيضا أخبار ذات صلة